فصل: (سورة الرعد: آية 13)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ} [8] أي مقدر وهو مفعال من القدر.
{وَسارِبٌ بِالنَّهارِ} [10] مجازه: سالك في سربه، أي مذاهبه ووجوهه، ومنه قولهم: أصبح فلان آمنا في سربه، أي في مذاهبه وأينما توجه، ومنه: انسرب فلان.
{لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [11] مجازه: ملائكة تعقّب بعد ملائكة، وحفظة تعقّب بالليل حفظة النهار وحفظة النهار تعقّب حفظة الليل، ومنه قولهم: فلان عقّبنى، وقولهم: عقّبت في أثره.
{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [11] أي بأمر اللّه يحفظونه من أمره.
{وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءًا} [11] مضموم الأول، ومجازه: هلكة وكل جذام وبرص وعمّى، وكل بلاء عظيم فهو سوء مضموم الأول، وإذا فتحت أوله فهو مصدر سؤت القوم، ومنه قولهم: رجل سوء قال الزّبرقان بن بدر:
قد علمت قيس وخندق إنّني ** وقيت إذا ما فارس السّوء أحجما

{يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [12] أي ترهبونه وتطمعون أن يحييكم وأن يغيثكم.
{وَيُنْشِئُ السَّحابَ} [12] أي يبدأ السحاب، ويقال: إذا بدأ: {نشأ}.
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} [13] إما أن يكون اسم ملك قد وكلّ بالرّعد وإما أن يكون صوت سحاب واحتجّوا بآخر الكلام: {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [13] يقال: ألا ترى أن العرب تقول:
جون هزيم رعده أجشّ

ولا يكون هكذا إلّا الصوت.
{شَدِيدُ الْمِحالِ} [13] أي العقوبة والمكر والنكال، قال الأعشى:
فرع تبع يهتزّ في غصن ** المجد غزير النّدى شديد المحال

إن يعاقب يكن غراما وإن ** يعط جزيلا فإنه لا يبالى

غرام: هلاك وفى القرآن: {إِنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا} [25: 65] أي هلاكا وقد فسرناه في موضعه، وقال ذو الرّمّة:
أبرّ على الخصوم فليس خصم ** ولا خصمان يغلبه جدالا

ولبس بين أقوام فكل ** أعدّ له الشّغازب والمحالا

والشّغزبة الالتواء.
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} [14] مجازه: والذين يدعون غيره من دونه، أي يقصرون عنه. و: {يَدْعُونَ} من الدعاء، ومجاز: {دُونِهِ} مجاز: {عنه} قال:
أتوعدني وراء بنى رياح ** كذبت لتقصرنّ يداك دونى

أي عنّى.
{لا يَسْتَجِيبُونَ} [14] مجازه: لا يجيبون، وقال كعب:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

{إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ} [15] مجازه: إن الذي يبسط كفّه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه لا يتم له ذلك ولا تسقه أنامله أي تجمعه، قال ضابيّ بن الحارث البرجميّ:
فإنى وإيّاكم وشوقا إليكم ** كقابض ماء لم تسقه أنامله

يقول: ليس في يدى من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شئ. وقال:
فأصبحت مما كان بينى وبينها ** من الودّ مثل القابض الماء باليد

{بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} [15] أي بالعشيّ، واحدها: أصل وواحد الأصل أصيل وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، وقال أبو ذؤيب:
لعمرى لأنت البيت أكرم ** أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل

وقال النّابغة:
وقفت فيها أصيلا لا أسائلها ** عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد

أصيلال: تصغير آصال.
{فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رابِيًا} [17] مجازه: فاعل من ربا يربو.
أي ينتفخ.
{أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} [17]، وهو ما تمتعت به، قال المشعث:
تمتع يا مشعّث إنّ شيئا ** سبقت به الممات هو المتاع

{كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ} [17] أي يمثّل اللّه الحق ويمثل الباطل.
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً} [17] قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القدر، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها أو سكنت فلا يبقى منه شيء.
{لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى} [18] استجبت لك واستجبتك سواء وهو أجبت، و: {الحسنى} هي كل خير من الجنة فما دونها، أي لهم الحسنى.
{الْمِهادُ} [18] الفراش والبساط.
{أُولُوا الْأَلْبابِ} [19] أي ذوو العقول، واحدها لبّ {وأولوا}: واحدها ذو.
{وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [23] أي يدفعون السيئة بالحسنة، درأته عنى أي دفعته.
{عُقْبَى الدَّارِ} [24] عاقبة الدار.
{سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [24] مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك:
يقولون سلام عليكم.
{وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ} [26] إلّا متعة وشئ طفيف حقير.
{مَنْ أَنابَ} [27] من تاب.
{طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [29] أي منقلب.
{خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ} [30] أي مضت قرون من قبلها وملل.
{وَإِلَيْهِ مَتابِ} [30] مصدر تبت إليه، وتوبتى إليه سواء.
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى} [31] مجازه مجاز المكفوف عن خبره، ثم استؤنف فقال: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [31] فمجازه: لو سيّرت به الجبال لسارت، أو قطّعت به الأرض لتقطعت، ولو كلّم به الموتى لنشرت، والعرب قد تفعل مثل هذا لعلم المستمع به استغناء عنه واستخفافا في كلامهم، قال الأخطل:
خلا أنّ حيّا من قريش تفضلوا ** على الناس أو أنّ الأكارم نهشلا

وهو آخر قصيدة، ونصبه وكفّ عن خبره واختصره وقال عبد مناف ابن ربع الهذليّ:
الطّعن شغشغة والضّرب هيقعة ** ضرب المعوّل تحت الأيّمة العضدا

وللقسيّ أزاميل وغمغمة ** حس الجنوب تسوق الماء والبردا

حتى إذا اسلكوهم في قتائدة ** شلّا كما تطرد الجمّالة الشردا

وهو آخر قصيدة، وكفّ عن خبره. وقوله شغشغة: أي يدخله ويخرجه والهيقعة أن يضرب بالحدّ من فوق والمعوّل: صاحب العالة وهى ظلّة يتخذها رعاة البهم بالحجاز إذا خافت البرد على بهمها. فيقول: فيعتضد العضد من الشجر لبهمه أي يقطعه والدّيمة المطر الضعيف الدائم والأزاميل: الأصوات واحدها أزمل وجمعها أزامل زاد الياء اضطرارا والغماغم: الأصوات التي لم تفهم حسّ الجنوب: صوتها قتائدة طريق. أسلكوهم وسلكوهم واحد.
{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [31] مجازه: ألم يعلم ويتبين، قال سحيم بن وئيل اليربوعيّ:
أقول لهم بالشّعب إذ يأسروننى ** ألم تيئسوا أنّى ابن فارس زهدم

{قارِعَةٌ} [31] أي داهية مهلكة، ويقال: قرعت عظمه، أي صدعته.
{فَأَمْلَيْتُ} [32] أي أطلت لهم، ومنه المليّ والملاوة من الدهر، ومنه تمليت حينا، ويقال: لليل والنهار الملوان لطولهما، وقال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان ** ألحّ عليها بالبلى الملوان

ويقال: للخرق الواسع من الأرض ملا مقصور، قال:
حلا لا تخطّاه العيون رغيب

وقال:
أمضى الملا بالشاحب المتبدّل

{أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ} [33] أي دائم قوام عدل.
{وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} [36] أي أشدّ.
{لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى} [18]
ثم قال: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ} [35] مجازه مجاز المكفوف عن خبره.
{حُكْمًا عَرَبِيًّا} [37] أي دينا عربياّ أنزل على رجل عربى.
{يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ} [39] محوت تمحو، وتمحى: لغة.
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} [40] ألف: {إما} مكسورة لأنه في موضع أحد الأمرين.
{نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها} [41] مجازه: ننقص من في الأرض ومن في نواحيها من العلماء والعباد، وفى آية أخرى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [12: 82] مجازه:
وسل من في القرية.
{لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [41] أي لا رادّ له ولا مغيّر له عن الحق. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الرعد:

.[سورة الرعد: الآيات 5- 6]

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُرابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6)}
قوله تعالى: {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [5]. وجديد هاهنا استعارة. لأن أصله هاهنا مأخوذ من الجدّ، وهو القطع. يقال: قد جدّ الثوب، فهو جديد بمعنى مجدود. إذا قطع من منسجه، أو قطع لاستعمال لابسه. والمراد- واللّه أعلم- إنا لفى خلق جديد، أي قد فرغ من استئنافه، وأعيد إلى موضع ثوابه وعقابه، فصار كالثوب الذي قطع منسجه بعد الفراغ من عمله.
وقوله سبحانه وتعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ} [6]. وهذه استعارة والمراد بها مضيّ المثلات- وهى العقوبات- للأمم السالفة قبلهم، وتقدّمها أمامهم. وقولهم: خلت الدار. أي مضى سكانها عنها. وخلوا هم. أي مضوا عن الدار وتركوها. وقولهم: القرون الخالية. أي الماضية.
والعقوبات على الحقيقة لم تمض، وإنما مضى المعاقبون بها. فكأنّهم ذكّروا بالعقوبات الواقعة قبلهم ليعتبروا بها.

.[سورة الرعد: آية 8]

{اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8)}
وقوله سبحانه: {اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ} [8]. وهذه استعارة عجيبة. لأن حقيقة الغيض إنما يوصف بها الماء دون غيره، يقال: غاض. الماء وغضته ولكن النطفة لما كانت تسمّى ماء، جاز أن توصف الأرحام بأنها تغيضها في قرارتها، وتشتمل على نفاعاتها. فيكون ما غاضته من ذلك الماء سببا لزيادة، بأن يصير مضغة، ثم علقة ثم خلقة مصوّرة. فذلك معنى قوله: {وَما تَزْدادُ}.
وقيل أيضا: معنى {ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ}. أي ما تنقص بإسقاط العلق، وإخراج الخلق.
ومعنى: ما تَزْدادُ أي ما تلده لتمام، وتؤدى خلقه على كمال. فيكون الغيض هاهنا عبارة عن النقصان، والازدياد عبارة عن التمام.

.[سورة الرعد: آية 13]

{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13)}
وقوله سبحانه: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [13].
وهذه استعارة. لأن التسبيح في الأصل تنزيه اللّه سبحانه عن شبه المخلوقات، وتبرئته من مدانس الأعمال، وقبائح الأفعال. وهذا لا يتأتى من الرعد، الذي هو اصكاك أجرام السحاب بعضها ببعض. فالمراد- واللّه أعلم- أن أصوات الرعود تقوى بها الدلالة على عظيم قدرة اللّه سبحانه، وبعده عن شبه الخليقة المقدّرة، وصفات البريّة المدبّرة. إذ كان الرعد كما قلنا إنما تغلظ أصواته، وتعظم هزّاته على حسب تعاظم صفحات السحاب الممتدة، وتراكم الغيوم المطبقة. وهى مع هذه الأحوال، من ثقل أجرامها، وتكاثف غمامها معلقة بمناطات الهواء الرقيق، لولا دعائم القدرة وسماكها، وعلائق الجبرية ومساكها لما حمل عشر معشارها، ولا استقل ببعض أجزائها.
ومن عجيب أحواله أنه أيضا مع ما ذكرنا من تثاقل أردافه، وتعاظل التفافه ينفشّ انفشاش الهباء المتداعى، والغثاء المتلاشى. إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار.
ومعنى تسبيح الرعد بحمده سبحانه: دلالته على أفعاله التي يستحق بها الحمد، كما يقول القائل: هذه الدار تنطق بفناء أهلها. أي تدل على ذلك بخلاء ربوعها، وتهدّم عروشها.
وقد يجوز أن يكون معنى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} أن الرعد يضطر الناس إلى تسبيح اللّه سبحانه عند سماعه، فحسن وصفه بالتسبيح لأجل ذلك، إذ كان هو السبب فيه. وهذا معروف في كلامهم.